يقول أبوالطيب المتنبي:
بم التعلل لا أهل ولا وطن
ولا نديم، ولا كأس، ولا سكن
أريد من زمني ذا أن يبلغني
ما ليس يبلغه من نفسه الزمن
لا تلق دهرك إلا غير مكترث
ما دام يصحب فيه روحك البدن
فما يدوم سرور ما سررت به
ولا يرد عليك الفائت الحزن
مما أضر بأهل العشق أنهمو
هووا، وما عرفوا الدنيا، وما فطنوا
تفنى عيونهمو دمعا، وأنفسهم
في إثر كل قبيح وجهه حسن
تحملوا، حملتكم كل ناجية
فكل بين عليّ اليوم مؤتمن
ما في هوادجكم من مهجتي عوض
إن مت شوقا ولا فيها لها ثمن
يا من نعيت على بعد بمجلسه
كل بما زعم الناعون مرتهن
كم قد قتلت وكم قدمت عندكمو
ثم انتفضت فزال القبر والكفن
قد كان شاهد دفني قبل قولهمو
جماعة، ثم ماتوا قبل من دفنوا
ما كل ما يتمنى المرء يدركه
تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
رأيتكم لا يصون العرض جاركمو
ولا يدر على مرعاكمو اللبن
جزاء كل قريب منكمو قلل
وحظ كل محب منكمو ضغن
وتغضبون على من نـال رفدكمو
حتى يعاقبه التنغيص والمنن
فغادر الهجر ما بيني وبينكمو
يهماء، تكذب فيها العين والأذن
تحبو الرواسم من بعد الرسم بها
وتسأل الأرض عن إخفاقها الثفن
إني أصاحب حلمي- وهو بي كرم -
ولا أصاحب حلمي وهو بي جبن
ولا أقيم على مال أذل به
ولا ألذ بما عرضي به درن
سهرت بعد رحيلي وحشة لكمو
ثم استمر مريري وارعوى الوسن
وإن بليت بود مثل ودكمو
فإنني بفراق مثله قمن
أبلى الأجلة مهري عند غيركمو
وبذل العذر بالفسطاط والرسن
عند الهمام أبي المسك الذي غرقت
في جوده مضر الحمراء واليمن
وإن تأخر عني بعض موعده
فما تأخر آمالي ولا تهن
هو الوفي ولكني ذكرت له
مودة، فهو يبلوها ويمتحن