دخل أبو العتاهية على الرشيد حين بنى قصره، وزخرف مجلسه، واجتمع إليه خواصه،
فقال له: صف لنا ما نحن فيه من الدنيا فقال:
عش ما بدا لك آمناً .:. في ظلّ شاهقة القصور
فقال الرشيد: أحسنت، ثم ماذا؟ فقال:
يسعى إليك بما اشتهيـ .:. ـت لدى الرواح وفي البكور
فقال: حسن، ثم ماذا؟ فقال:
فإذا النفوس تقعقعت .:. في ضيق حشرجة الصدور
فهناك تعلم موقناً .:. ما كنت إلاّ في غرور
وقال ايضا:
إلـهـي لا تعذبني فإنـي =مقـر بالـذي قد كان مـنّي
فـمالـي حيـلة إلاّ رجائي = لعفوك إن عفوت وحسن ظني
وكم من زلة لي في البرايا =وأنت عليّ ذو فضل ومــنّ
إذا فـكّرت في قدمي عليها =عضضت أناملي وقرعت سني
يظن الناس بي خيرا وإنّـي =لشرّ النّاس إن لم تعف عنّـي
وقال ايضا:
ألاّ إنـّنـا كـلـّنـا بائد =وأي بـني آدمٍ خـالد
وبـدؤهمُ كـان من ربّهم =وكـلّ إلـى ربّه عائد
فيا عجبا! كيف يعصى الإله؟! =أم كيـف يجحده الجاحد؟!
ولله فـي كـلّ تحريـكة =عليـنا وتسكينة شاهد
وفـي كلّ شـيء له آية =تـدل علـى أنّه واحد
وقال:
أما والله إنّ الظـلم لـؤم =ومازال المسيء هو الظلوم
إلى ديّان يوم الدين نمضي =وعند الله تجـتمع الخصوم
وقال: أنلهو وأيـامنـا تذهـب =ونلعب والموت لا يلعـب
وقال: يا بَــانِيَ الدّارِ المعِدََّ لهـا =ماذا عمِلتَ لدَاِركَ الأخرىَ
ومُمَهِّـدَ الفـُرْش الوثيرة لا =تُغْفِلْ فِرَاش الرَّقدة الكبرى
وقال: فلو كان هول الموت لا شيء بعده =لهان علينا الخطب واحتقر الأمر
لكنّه حـشـر ونـشر وجـنـة =ونار وما قد يستطيل به الخبر
وقال: اُسْلُكْ بنيّ مناهـج السـادات =وتخـلّـقـن بأشـرف العـادات
لا تلهـينـّك عن معادك لـذة =تـفـنى وتورث دائـم الحسرات
وإذا اتّـسـعت بـرزق ربـك =فاجعلن منه الأجلّ لأوجه الصدقات
وارع الجوار لأهـله مـتبرعا =بقضـاء ما طـلـبوا من الحاجات
واخفض جناحك إن منحت إمارة =وارغـب بنفسك عن ردى اللذات
وقال: وشر الأخلاء من لم يزل =يعاتب طورا، وطورا يذم
يريك النصيحة عند اللقاء = ويبريك في السر بري القلم
وقال: إنّ في صحة الإخاء من الناس =وفي صحـة الوفـاء لقلـة
فألبس الناس ما استطعت على =الصبر وإلا لم تستقم لك خلّة
عش وحيدا إن كنت لا تقبل العذر =وإن كنـت لا تجاوز زلـّة
وقال: من لزم الحقد لم يزل كمدا =تخرقه في بحورها الكرب
وقال: ما أكرم الصبر! وما أحسـ = ـن الصدق! وما أزينه للفتى!
الخـرق شؤم، والتقى جنّة =والرفـق يمن، والقنوع غنى
نافس إذا نافست في حكمة =آخ إذا أخـيت أهل الـتقى.
وقال: إذا المرء لم يعتق من المال نفسه =تملكه المال الذي هو مالكـه
ألا إن مالي الذي أنا مـنفــق =وليس لي المال الذي أنا تاركه
إذا كنـت ذا مال فبادر به الذي =يحـق وإلا استهلـكته مهالكه
وقال: ألا إلى الله تصير الأمـور =وما أنتِ يا دنياي إلا غرور
نحن بنو الأرض وسكانها =منها خلقنا وإليها نصـيـر
وقال: ليت شعري فإنني لست أدري =أي يوم يكون آخر عمري
وبأي بلاد تقبـض روحـي =وبأي البلاد يحفـر قبري